ونحن في قلب الحدث نتابع أول بأول كل ما يحيط بالمباراة الكبيرة المرتقبة
بين مصر والجزائر التي تشغل بال الملايين من أبناء النجمة والهلال، حتى
لفت انتباهنا وهز كياننا في نهاية الأسبوع الفارط حادث مأساوي يستدعي أن
نسلط عليه الأضواء لأنه ضرب الكرة الجزائرية في الصميم، ففي الوقت الذي
تستعد فيه المئات حتى لا نقول الآلاف من الجزائريين لغزو أم الدنيا يوم 14
نوفمبر القادم، كان الوضع أخطر بكثير في غرب البلاد عندما كاد يذهب عدد من
لاعبي ترجي مستغانم ضحية تصرف طائش من شخص متعصب وهم في طريق العودة إلى
ديارهم من العاصمة، الحادثة بدأت عندما اعترض سبيلهم تاجر رميا بالرصاص في
مطعمه ، كاد أن يتسبب في مجزرة حقيقية لو لا لطاف الله، ودون الدخول في
تفاصيل الحادثة وأسبابها نغوص مباشرة في عمق الموضوع لنعرف جوهر القضية،
فصاحب الفعلة مهما حاولنا تصنيفه يبقى مواطنا جزائريا أو كائنا بشريا فيه
ما فيه من العيوب وله ما له من المحاسن وستكون هناك عدالة تفصل في أمره
بعد أن تعرف دوافعه، أما المجنى عليهم فهم مجموعة من اللاعبين كانوا عابري
سبيل فتوقفوا لسد رمقهم في مطعم الجاني فحدث ما حدث، وبما أن الغاية تبرر
الوسيلة كما يقال فإن الوسيلة التي قادتهم إلى ذلك المكان عبارة عن سيارات
أجرة في غياب حافلة الفريق التي أصيبت بعطب عندما كانت تهم بالعودة، وهنا
يكمن جوهر الموضوع بغض النظر عن الحادثة في حد ذاتها، الأمر الذي يجعلنا
نتساءل بإلحاح : هل يعقل أن يعود فريق لكرة القدم في سيارات أجرة من
العاصمة إلى مستغانم عبر مسافة تقارب 400 كلم بعد خوضه لمباراة رسمية ؟ في
حين أن هناك قوانين دولية في هذا الشأن وضعتها "الفيفا" لحماية اللاعبين
من مثل هذه الحوادث والتجاوزات، تقضي بأن أي فريق يتنقل إلى لعب مباراة في
مكان يبعد بأكثر من 200 كلم فإن من حقه المطالبة بالتنقل جوا، وهو ما كان
مثلا سيتيح لفريق ترجي مستغانم العودة في الطائرة من العاصمة إلى وهران
على الأقل ثم مواصلة 90 كلم برا نحو مستغانم، ونحن هنا لسنا بصدد اتهام
مسئولي الترجي أو السلطات المحلية للولاية أو إتحادية كرة القدم أو وزارة
النقل، لكن الأكيد أن هناك حلقة أو حلقات مفقودة في هذه السلسلة جعلت
اللاعبين يعودون بتلك الطريقة المخزية حتى كاد ثلاثة أو أربعة منهم يفقدون
حياتهم بعد أن عاشوا ليلة رعب على طريقة أفلام "هوليوود"، وهو ما يعكس
بصدق حالة التسيب والإهمال التي يعاني منها اللاعب الجزائري بصفة عامة حتى
أصبح وضيعا، لأنه مجرد تنقله مع فريقه للعب مباراة يجعله أحيانا يأكل مثل
الإيتام ولا يرى زوجته وأبناءه بالأيام، ثم نطالبه بتحسين المستوى والويل
لمن عصى، وهنا يحضرني ما قاله المدرب السابق لنادي أوكسير "غي رو" ذات مرة
عندما سألوه بعد اللقاء مباشرة من موسكو عن الحالة البدنية التي سيكون
فيها لاعبي فريقه قبل ثلاثة أيام من مواجهة مرسيليا، فرد قائلا: "بعد
ساعتين من الطيران سيكونون في منازلهم ويأكلون مما ستعده لهم زوجاتهم،
أليست هذه أفضل طريقة للاسترجاع ؟ّ"، أما اللاعب الجزائري فليس له إلا رب
يحميه من إهمال المسئولين وبطش المتسولين كما حمى هني، بوقماشة والآخرين
من صاحب المحل والطباخين.